الرئيسية » مقالات وتقارير »
 

الطبيعة القانونية لإغلاق الحساب المصرفي

 

عمر رمضان صبره

مقدمة:

تتعامل المصارف في ظل المنافسة مع نوعين من المتعاملين، الأول هو الذي يأتي إلى المصرف من أجل إجراء عملية مصرفية واحدة، كصرف شيك مثلاً، أو تحصيل "كمبيالة"، أو استلام حوالة، وتتم هذه الخدمة بعمليات محاسبية فورية وتنتهي، أو يقوم بفتح حساب من اجل صرف شيك به شرط القيد بالحساب يتم صرفه في الحساب، وتنتهي العلاقة بإغلاق الحساب.

والنوع الثاني هو المتعامل طويل الأمد، وإجراء معاملات مالية كبيرة، كمن يحصل على راتبه من خلال البنك، أو يستخدم حسابه من خلال مصلحته التجارية، أو المتعامل الذي يدخر مبلغاً مالياً طويل الأمد، وهنا تستمر العلاقة بينهما.

تنشأ علاقة المتعامل مع البنك بفتح الحساب، وتنتهي العلاقة بإحدى الطرق: كالوفاة، أو إغلاق الحساب نتيجة وقف العلاقة، وهذه العلاقة قد تكون من طرف واحد أو أحد، أو الإفلاس، أو فقدان الأهلية.

إن قانون التجارة رقم 12 لسنة 1966 وضع قواعد تنظيمية تتعلق بالحساب الجاري من حيث إنشائه وإغلاقه، فقد تضمن أحكامه بالمواد 106 – 114، وهذه المواد ما تم ذكرها بخصوصه ما يطبق عليه من قواعد وأحكام وعرف مصرفي. 

ما هو الحساب الجاري؟

 يذهب الفقهاء إلى عدم تعريف الحساب الجاري لأن أحكامه ليست ثابتة أو جامدة، وإنما متطورة ومتغيرة، بعضها ما زال مثار خلاف في الفقه وعدم الحسم في القضاء.

فعرفه بعض الفقهاء بأنه "تصرف قانوني إرادي يتم بإرادة وموافقة الطرفين (المصرف والمتعامل) سواء أكان التعبير عن إرادتهما صريحاً أم ضمنياً فهو تصرف قانوني ذو طبيعة اتفاقية".

كما عرفت محكمة التمييز الأردنية (تمييز حقوق رقم 1068/89 تاريخ 10/4/1990، مجلة نقابة المحامين لسنة 1991 صفحة 1333) الحساب الجاري بأنه "اتفاق بين شخصين، على أن ما يسلمه كل منهما للآخر بدفعات مختلفة من نقود وأموال وأسناد تجارية قابلة للتمليك، يسجل في حساب واحد لمصلحة الدافع وديناً على القابض دون أن يكون لأي منهما حق مطالبة الآخر بما سلمه له بكل دفعة على حدة، بحيث يصبح الرصيد النهائي وحده عند إقفال هذا الحساب ديناً مستحقاً ومهيأً للأداء).

ويعرفه بعض الفقهاء بأنه (وسيلة لتسوية الديون فيما بين طرفيه، وهو كذلك وسيلة لضمان الحقوق المتبادلة لطرفي الحساب، ووصولاً إلى هذا الهدف يتفق الطرفان على أن يخصص طرفاه جميع حقوقهما المتبادلة المدونة في الحساب للوفاء الفوري بطريق الاندماج في رصيد يكون حالاً، أي دون انتظار قفل الحساب، وتكون حقوق كل منهما ضامنة الوفاء بحقوق الطرف الآخر).

الطبيعة القانونية للحساب الجاري:

الرأي الفقهي الراجح يكيف الحساب الجاري بأنه "عقد من نوع خاص له ذاتيته المستقلة عن غيره من العقود، وله قواعده الخاصة وأحكامه التي فرضها العرف المصرفي وطور قواعده".

وهذا الرأي يتوافق مع نص المادة 106 من قانون التجارة 16 لسنة 1966(الحساب الجاري يراد بعقد الحساب الجاري الاتفاق الحاصل بين شخصين على أن ما يسلمه كل منهما للآخر بدفعات مختلفة من نقود وأموال وأسناد تجارية قابلة للتمليك يسجل في حساب واحد لمصلحة الدافع، وديناً على القابض دون أن يكون لأي منهما حق مطالبة الآخر بما سلمه له بكل دفعة على حدة، بحيث يصبح الرصيد النهائي وحده عند إقفال هذا الحساب ديناً مستحقاً ومهيأ للأداء).

المرجع القانوني لفتح وإغلاق الحساب الجاري: إن المرجع القانوني لعملية فتح الحساب وإدارته وإقفاله هو قانون التجارة رقم 16 لسنة 1966، وبالإضافة لتعليمات الصادرة من سلطة النقد الفلسطينية منها على سبيل المثال، تعليمات رقم 8/2009 فتح الحسابات وإغلاقها، وكذلك تعليمات 21/2022 بشأن فتح حسابات الصرافين، وتعليمات رقم 9 لسنة 2014 بشأن إدارة حسابات المتوفين، بالإضافة لبعض التعاميم الأخرى الصادرة من خلال سلطة النقد الفلسطينية.

إغلاق الحساب حسب القانون وتعليمات سلطة النقد:

نظم قانون التجارة أحكام وقف الحساب الجاري وقفله وتصفيته بالمادة 113 و114، حيث نصت المادتان على أحكام إغلاق الحساب أو وقفه أو تصفيته، وقد نصت الفقرة 8/1/9 من تعليمات سلطة النقد إغلاق الحساب، ويترتب على إغلاق أو وقف الحساب آثار سيتم طرحها وفق ما يلي:

يجب التفرقة بين إغلاق الحساب ووقف الحساب مؤقتاً، فالإغلاق هو إنتهاء العلاقة بين طرفين، ولا يحق لطرف أن يطالب الطرف الآخر بأية التزامات، أما الوقف فهو قيام المصرف بوقف الحساب مؤقتاً وعدم إجراء الحركات عليه إلا باستثناء حركات حددتها تعليمات سلطة النقد، ويسمى هذا الوقف مصرفياً بالحساب الجامد، ويتم (تجميد) وقف الحساب بعد مرور سنة على الحساب الجاري، سنتين على حساب التوفير، وخمس سنوات على الوديعة.
يغلق الحساب بانتهاء العقد وفق المدة الزمنية بين الطرفين، وقد يكون من أحد الطرفين إنهاء العقد، ويجب أن يغلق بوفاة العميل حيث من أسباب إغلاق الحساب هو الوفاة.
يغلق الحساب أيضاً بتعرض العميل إلى الإفلاس أو فقدان الأهلية، وهنا يجب غلق الحساب أو تحويل الحساب تحت تصرف المصفي أو الوصي على التوالي.
وضعت تعليمات سلطة النقد الفلسطينية بأنه يحق للمصرف إغلاق الحساب التي يكون رصيده صفراً،  بشرط ألا تكون أي مبالغ دائنة أو مبالغ مكشوفة، ويشمل الإغلاق الحسابات الجامد أيضاً، وهنا فرضت شرطاً أساسياً يتمثل بمرور أكثر من ستة شهور من تاريخ أن أصبح رصيده صفراً، ولا يجوز إغلاق الحساب من طرف المصرف قبل مرور الستة شهور، وهذه التعليمات منسجمة مع القانون.
حظرت تعليمات سلطة النقد أن يتم إغلاق الحساب الذي تتوفر به أرصدة متدنية (المقصود بمتدنية أقل من 25 دولاراً، حسب تعليمات سلطة النقد) بأن يقوم المصرف بتحويل المبلغ المتدني إلى إيرادات المصرف، بل يجب أن تخضع للعمولة المقتطعة وفق الأصول وفي حال تحول الحساب إلى رصيد صفر يغلق عند مرور الستة شهور.
لا يجوز للمصرف إغلاق الحساب الجاري خلال قيام العميل بتنفيذ عملية تجارية على الحساب، لأنه سيترتب عليه إلحاق الضرر بأعماله التجارية، وهذا يلزم المصرف بتعويض العميل عما لحقه من ضرر.
وضعت تعليمات 8/2009 إغلاق الحساب عدة أمور إجرائية للمصرف لفرض الرقابة على ملفات حسابات العملاء المغلقة، ولا يجوز التفعيل للحساب المغلق مستقبلاً بتوقيع العميل وكذلك بضمن الرقابة الثنائية، ويجب فصل الملفات المغلقة عن المفتوحة.
يجب إغلاق الحساب على النظام البنكي بكافة التفرعات الملحقة بالحساب الجاري كأستاذ التأمينات النقدية أو التفرعات الفرعية والمحاسبية.
لا يوجد نص قانوني بدعوى التقادم لعملية إغلاق الحساب، وهذا يرجعنا إلى التقادم التجاري العام وهو عشر سنوات.
يحق للعميل طلب كشوف الحسابات عن الفترة الزمنية التي كان الحساب فعالاً قبل تاريخ الإغلاق وفق قواعد التقادم العام لمدة خمسة عشر عاماً.
 يجب قبل إغلاق الحساب وتصفيته كل ما يتبع الحساب منها إنهاء الحجوزات والأوامر الدورية والقيود الخاصة على الحساب حتى لا يرتب فوائد على عميل المصرف مستقبلاً.
إغلاق الحساب بظل حوزة العميل أوراق شيكات مطبوعة ومسلمه له من قبل المصرف، هي قضية محل خلاف مصرفي، فقانون التجارة لم يثر هذه النقطة بنص صريح، وبالإضافة لتعليمات سلطة النقد 8/2009 حول إغلاق الحساب لم تثر هذه النقطة.
وبرأيي أن عدم وضع قيد لهذا الإغلاق بضرورة تسليم العميل لأوراق الشيكات، فإنه يحق للمصرف إغلاق الحساب الذي يمر ستة شهور من آخر حركة ورصيد حسابه صفر، علماً بأن من تعليمات سلطة النقد برفض الشيكات يتم الرفض للشيك كسبب رفض يوجد سبب إغلاق الحساب.

ختاماً: علماً بأن النيابة العامة في حال تقديم شيك والحساب مغلق تتعامل معه كما تتعامل مع شيك بدون رصيد وتفرض نفس العقوبة.
وعليه أوصي المشرع بضرورة إضافة نص صريح بأن يكون للمصرف الحق بإغلاق الحساب الذي أصبح رصيده صفراً بعد مرور ستة شهور رغم حوزة العميل أوراق شيكات غير مصروفه، فهذا النص منسجم مع القانون وتعليمات سلطة النقد 8/2009.

 

*كاتب وباحث قانوني