الرئيسية »
 

أهمية العمل والإنتاج من منظور شرعي

د. سهيل الأحمد*

يعرف العمل بأنه هو: " كل جهد مشروع يبذله الإنسان ذهنياً أو بدنياً. لإيجاد المنفعة المعتبرة شرعاً من سلع وخدمات ذات قيمة لإشباع حاجات المجتمع المادية والمعنوية، نظير أجر أو تبرع"([i]).

ولقد حث الإسلام على العمل بالانتشار في الأرض والمشي في مناكبها والأكل من رزق الله، فقال سبحانه: (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور) (الملك:15)، وقال تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)(التوبة:105)

كما حث الإسلام على  قيمة العمل كأساس للملكية، فقد قال تعالى: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله وأذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون) (الجمعة:10).

وقال صلى الله عليه وسلم: (ما مِنْ مُسلمٍ يَغرِسُ غَرْساً، أو يَزْرَعُ زَرْعاً فيأكُلُ منه طَيْرٌ أو إنسانٌ أو بهيمةٌ، إلاَّ كان لهُ بهِ صَدَقة)([ii]).

وقال صلى الله عليه وسلم: (ما أكل أحد طعاماً قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده)([iii]).

ولكي يكون العمل صالحاً، يتطلب ذلك الإيمان الذي يضع العامل تحت رقابة الله تعالى، فيؤدي عمله بأمانة وإخلاص وإتقان وإحسان ابتغاء وجه الله، وبذلك تجتمع الثروة المادية مع الثروة الروحية([iv]). ولذا دعا الإسلام للعلم والإيمان معاً.  قال تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) (المجادلة:11)، فالإيمان ضمان لزيادة إنتاجية العمل وجودته، وأن قيمة الزيادة والجودة يمثلان في الحقيقة قيمة الثروة المادية والمعنوية، لذا نجد العمل في الإسلام شاملاً للإنتاج المادي والإنتاج المعنوي([v]).

 كما أن مبدأ العمل أساس الملكية يؤكد أن الإسلام يرفض أي كسب من غير عمل، وحتى البطالة والمسألة، قال صلى الله عليه وسلم: " لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها فيكفّ الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه "([vi]).

       ويرى الإسلام أن تحقيق الوفرة والجودة معاً في الإنتاج يتطلب تقسيم العمل أو التخصص، وقد حث الإسلام على ذلك ودعا إليه، بنصوصه، وقواعده العامة.

ولكي يسهم العمل في نفع صاحبه وتوفير الحاجات لكل المجتمع لابد من أن يتخصص كل فرد في العمل الذي يبدع فيه، ولديه القدرة على إنجازه، ولا يقوم التخصص إلا بالعلم، فزيادة الإنتاج (الثروة ) يتوقف على وفرة عناصر الإنتاج  وأهمها عنصر العمل (القوة البشرية )، والذي يمثل العامل والمنظم والمستثمر للمال، والمالك للأرض.

ووفرة عنصر العمل وحدها ليست كافية ما لم يصحبها العلم، لأن العلم يسمح بزيادة الإنتاج والإنتاجية لعنصر العمل ويسهم في مزيد من التخصص اللازم لتوفير الحاجات الإنسانية المتجددة والمتغيرة والمتطورة.

وقد اهتم الإسلام بتقسيم العمل من خلال تعدد صيغ التمويل الإسلامي: كالمشاركة والمضاربة والمرابحة والسلم والمساقاة والمزارعة والاستصناع، وذلك بهدف تمويل المشروعات المختلفة زراعية كانت أم صناعية أم تجارية أم خدمية .

 

 

([i])اقتصادنا في ضوء الكتاب والسنة، محمد حسن أبو يحيى، د.ط، ص165-166، مكتبة الرسالة الحديثة، عمان، الأردن، دراسات في الثقافة الإسلامية، صالح ذياب الهندي، ط10، 2002م، ص131، دار الفكر، عمان.

([ii])صحيح البخاري، ص397: 2320، صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج، د.ط، 5/364: 89- (1543)، مكتبة الإيمان، المنصورة بمصر.

([iii])صحيح البخاري، ص354: 2072.

([iv])المذهب الاقتصادي في الإسلام،محمد شوقي الفنجري،د.ط،1981،ص18،دار عكاظ، الرياض.

([v])المرجع السابق، ص55.

([vi])صحيح البخاري، ص354: 2075.

 

*عميد كلية الحقوق- جامعة فلسطين الأهلية- عضو الهيئة العليا للرقابة الشرعية- سلطة النقد